الهمة العالية كالنبع الجاري، متجددة ناضحة بكل خير وبركة، فتراها تستقي مياهها النقية من السحائب الطاهرة، فتجود بينابيع عذبة يخرج بها من كل الثمرات.
أما إذا كان هذا النبع راكدًا دائمًا، فإن مياهه سوف تأسن وتتغير، وتعلوها الطحالب العفنة، فلا تنبت زرعًا ولا تروي عطشًا، حتى تضمحل شيئًا فشيئًا وتغور.
والداعية إلى الله، ومن تحمل في فؤادها جذوة من الحرقة على الدين والرغبة في النفع والتغيير والإصلاح، تشبه في حالها نبع الماء هذا، فهي إن جددت علمها وراجعت معارفها ووسعت إطلاعها، كان نفعها مباركًا ومجاله كبيرًا، أما إذا انغمست في تفاصيل حياتها اليومية؛ فإنها ستغيب كثيرًا عما يستجد في الساحة، عن أخبار الصحوة المورقة، وأشواك المنكرات المؤلمة، عن أحوال الفتيات وآخر الصراعات المنتشرة، عن مقالات بعض الكتاب التي تسدد سهامًا إلى قلب الدعوة، عن جهود المصلحين في النصح والتوجيه، عن آخر الفتاوى من علماء الأمة في الأمور المستجدة، عن أشياء كثيرة!
وفي الحقيقة، لا يكفي أن أملك الحماس فحسب لأكون داعية قد أتممت ما عليّ من واجب تجاه المجتمع، بل لا بد أن أكسب الوعي الذي يدفعني للعمل والإنتاج، وإلا كان عملًا بلا علم، وسعيًا بلا بصيرة، والشاهد على هذا بعض المواقف الفردية من حماس غير مؤصل، مما يعطي صورة سيئة عن محب الدعوة في أوساط تسعد بمثل هذه الأخبار السيئة، وتسارع في نشرها والتشفي بها.
وكيف نكتسب الوعي؟
وسائل اكتساب الوعي والمعرفة بالواقع كثيرة، تأتي على رأسها القراءة، فمن المؤسف أن كثيرًا من الأخوات المحبات للدعوة الحريصات على الخير.. لا يقرأن عدا المناهج الدراسية، ويغفلن كثيرًا عما تكسبه القراءة في شتى المجالات من ثقافة متعددة وإطلاع ومعرفة وقوة في النظر والتفكير.
كما أن الانغماس الشديد في التفاصيل اليومية، قد يشغل الداعية عن بعض الاجتماعات المباركة، كالمحاضرات والندوات واللقاءات، التي بها يلتقي المرء نظراءه ممن لهم الهم والاهتمام المشترك، فيتبادلون الأخبار والآراء والتجارب، ويكتسب المرء بذلك المعرفة ويجدد الخبرة.
ونحن لا نعني ذلك إهمال الواجب من القيام بحق من على المرأة لهم حق، بل ندعو إلى زنة الأمور وترتيب الأولويات، فبقليل من الاهتمام الجاد تستطيعين إيجاد حصيلة معقولة من فراغ، تشغلينه بلقاء خير مع رفيقات صالحات؛ فإن لمخالطة الناس دورًا كبيرًا في التجديد وسعة الحصيلة.
رءوس في الرمال:
أحيانًا تدفن الداعية رأسها في الرمال عن سبق إصرار وبطيب نفس، بدعوى واهية، وهي أن الجهل يعفيها من المسؤولية ويبرئ ذمتها من التبعة، فهي إن لم تعلم بالأخبار السيئة والمنكرات المنتشرة والأحوال المتردية، لم يكن عليها واجب في الإنكار والتغيير والإرشاد.
وهذا باطل، فإذا غفلتِ أنتِ وغفل من حولك جميعًا عن ذلك بهذه الحجة؛ فكيف يقوم المجتمع الصالح بالتغيير والإرشاد يا ترى؟ بل سنجد الشر ما يفتأ ينتفج ويعظم وتنتشر آثاره السيئة بلا رادع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن ناحية أخرى، قد يكون القلب ضعيفًا سريع التأثر، فيشفق على نفسه أن يصيبه شيء من غبار الفتن إذا ما أشرف عليها فنراه يصد عنها، لكنه يرغب في معرفتها للتغيير والإصلاح، فكيف يكون قلبًا صامدًا لا تزيده نيران المنكرات إلا حماسًا وقوة؟!
إنه بالاعتصام بالله، وإخلاص النية له، والتزود المؤصل بالعلم الشرعي، ونشير بقوة إلى الأهمية الشديدة للاعتضاد بالرفقة الصالحة، فهي التي تذكر المرء إذا ما نسي، وتوعيه إذا ما غفل.
الكاتب: منال الدغيم.
المصدر: موقع كلمات.